لماذا حزب التجمع الوطني؟
تعريف
قلّ أن يتساءل هذا السؤال من يدرك الأوضاع في بلادنا؛ فالكل يعاني في الداخل، ويشكو أو ينتظر مبادرة من غيره. وكل مطلع من الخارج يعرف المأساة التي تعانيها بلادنا، والمصائب التي تنتظرها إن استمرت تحت الإدارة الحالية الفاشلة. ونحن هنا نقدم توضيحًا للأمر لمن ليس مستوعبًا الظروف القاسية التي تمر بها بلادنا، أو المستقبل المظلم لآثار هذه السياسات الجارية اليوم؛ ذلك لأن السلطات الحالية وسابقاتها فشلت فشلًا ذريعًا في صناعة المجتمع الحر المتعاون، وأقامت حكم القهر والفساد والاستبداد والنهب والإذلال الشامل. فلا ميزة لبلادنا اليوم سوى كثرة السجون وتصاعد الضرائب والقهر والخوف والهزائم في كل الجبهات، وتمزيق المجتمع وتشتيته حتى من داخل العائلة الواحدة، وزراعة البغضاء والخوف وثقافة الكراهية، والانقلاب الحادّ على ما تبقى من أخلاق وأعراف كانت تجعل الناس يتسامحون مع سلطة سمحت لهم بجزء يسير من ثروتهم، وأبقت لهم منها ما أقام بعض الخدمات رغم تخلفها وضعفها وبدائية الإجراءات مقارنة بدول العالم.
وهنا نشرح الاسم ونعرف بالحزب ومنطلقاته.
حزب
الحزب رابطة سياسية لمجموعة تؤمن بضرورة تأسيس دولة ديمقراطية تقوم على حقوق المواطنة التامة لسكانها، وللحزب برنامجه لإنقاذ البلاد مما أوقعتها فيه السياسات الفاشلة طويلة المدى، فالحزب وسيلة سياسية عملية نجحت في إنقاذ البلدان الناجحة في العالم من رأي الفرد وتصرفه وانحيازه لذاته ومصالحه على حساب مصالح الشعب ومصيره.
لقد حبا الله بلادنا مميزات تاريخية وجغرافيا سياسية وموارد وخيرات لا حد لها، إلا أنها جوهرة بيد فحام؛ فهي محرومة من وجود إدارة ناجحة تعرف مؤهلات البلاد وإمكاناتها. هذه الإدارة تتعامل مع وطننا وقضاياه الكبرى تعامل أطفال عابثين وارثين لكنوز الدنيا بإسراف يتجاوز كل الحدود على شهواتهم، وقهر للشعب صاحب الحق في كل شيء، ومطاردة وإفقار وتخويف وسجن واغتيال ورهن الأفراد رجالًا ونساء وشيوخًا؛ لأن أقاربهم أعلنوا أو شكّوا في طريقة العبث الذي تسحق به البلاد ومقدراتها. ولا تختلف المصطلحات السياسية والممارسات العملية عن مصطلحات ألعاب الفيديو "سحق المخالفين"، ولكنها هذه المرة وللأسف تنفذ في البشر والاقتصاد والسياسة وكل جوانب الحياة، سحق كل شيء من أجل مزاج المستبد.
التجمع
المجموعة المؤسسة منذ اللحظات الأولى جمعتهم غايات وهموم واحدة نحو بلادهم. لا يرون ميزة لفرد على الآخر، ولا لمنطقة ولا لعائلة. يجمعهم محبة الخير للبلاد وسكانها، حيث تجاوزوا المناطقية والمذهبية والإقليمية في سبيل بناء وطن واحد للجميع سكانه سواسية، ويقدمون رابطة مصالح بلادهم، متجاوزين أي تقسيمات وتقزيمات جزئية تقدم شخصًا أو مجموعة أو مكونًا على آخر. والتجمع في الحقيقة هم الأعضاء والمناصرون المخلصون والمخلصات، وليس للمؤسسين من دور إلا فتح الطريق للكفاءات الصادقة أن تقوم بمسؤوليتها تجاه وطنها، وأن يجتهد الجميع في إنقاذ بلادنا وبناء مستقبلها.
الوطني
نسعى لتأسيس المواطنة وهي المشاركة في صناعة سياسة ومصير بلادنا، دون عنصرية ولا طبقية ولا أولوية لفرد أو عائلة أو قبيلة أو منطقة في إدارته، فكل يقدم لنفسه وللبلاد خير ما يستطيع، ويجنبها برقابة القانون ضعف الفرد ومطامعه وخذلانه وعلاقاته وأهوائه الشخصية. ووطني لأننا نريد من الحزب أن يعبر عن واجبات وحقوق هذا الوطن الواسع، المترامي الأطراف والعظيم الخيرات. ونرد بهذا الوصف على كل من يمنع السكان من المشاركة في حماية بلده وبنائها، ولا يرى كفاءة في بني وبنات بلده، أو يرى للخارج أولوية في توجيه سياسة بلادنا، سواء جاء التأثير من خصوم أو أعداء أو متظاهرين بحبه والولاء له، بينما هم يكنون له الكيد والتدمير بلجوئهم إلى أعدائه ليوجهوا سياسته ومصالحه. فكل من حرم أهل الوطن من العمل السياسي لمصلحته إنما يدير البلاد بمزاج فردي مضطرب أو إدارة من الخارج، وهذا عين الذي يحدث في بلادنا؛ فقد أصبح مواطنوها مقهورين مبعدين، سجناء ومنهوبين وخائفين، في الوقت الذي يدير متنفذوها وأعداؤها مصيرها.
كما يهمنا أن يتضح في الأذهان الفرق بين الدولة وبين الحكومة، فالدولة هي الناس والأرض والموارد والجغرافيا والتاريخ، بينما الحكومة هي الإدارة، وهي متغيرة، تُعين وتبعد، وتصلح وتفسد، إذ تحاول حكومة بلادنا أن تخلط الحكومة بالدولة في الأذهان، حتى تعطي لنفسها عصمة من الخطأ وأحقية امتلاك الناس ومصيرهم، وهذا مفهوم في غاية التخلف والوحشية، وربما فكر به بعضهم ومارسه. وإذا كان مصطلحا الدولة والحكومة مشتركين في بعض اللغات فذلك لأن الحكومة عندهم منتخبة من الشعب، وجزء منه، بلا وصاية ولا استمرارية ولا أوهام امتلاك، وحين تصبح لدينا حكومة للبلاد ناشئة عن شعبها واختيارها قرارا ومصيرا فلن يقع ذلك الإشكال. إنما تحتاج بلادنا أن تضع حدا لهذا الوهم الخاطئ المنتشر عندنا الذي يسعى إلى ذوبان الدولة في نزوات شخص.
جمهورية أم ملكية دستورية
بما أن هذا حزب ديمقراطي يمثل عموم السكان، فإنه لا يمارس عليهم وصاية في شكل الحكم الديمقراطي القادم في البلاد، والشعب هو الذي يقرر في استفتاء عام نوع النظام الذي يريده، فالمهم وجود حكومة منتخبة وعلى رأسها رئيس وزراء أو رئيس جمهورية منتخب برضا أغلبية الشعب. وبهذا ليس مهمًّا إن كان الشعب أبقى برضاه على رمزية منصب لملك أو ألغاه، فكل الشعوب الحرة في العالم لا تقف كثيرًا عند هذه التفصيلات بعد أن تتحرر من أي نمط فردي دكتاتوري.
ضد الفوضى والعنف
إن مبادرتنا بإنشاء الحزب ما هي إلا خطوة استباقية لتجنب الفوضى، والخلاص من موجات العنف التي تؤسسها الحكومة هذه الأيام وتدفع المجتمع إليها بشكل متسارع. ولهذا فإن إقامة مؤسسات منتخبة ديمقراطيًّا سوف تصنع الأمن والمشاركة والمصارحة والمصالحة، في مجتمع مزقته الحكومة بالتخويف والسجون والرعب من أي كلمة حرة تقود كل من يقولها إلى ظلمات السجون والتعذيب والتهجير. وما حزبنا هذا إلا صناعة لروابط اجتماعية صلبة تشكّل من كل فئات المجتمع وأقاليمه وتوجهات شبابه، لتمنع التمزيق والفتن التي يسعى إليها النظام لترسيخ نفوذه بزرع العداوة بين الشعب.
موقفنا من الإرهاب
لا تريد الحكومة الاعتراف بأنها هي من سبق لصناعة الإرهاب العالمي الحديث؛ لأن سجونها والظلم والتعذيب فيها هو الذي نتج عنه تنظيم القاعدة وأسس لفكر داعش. فالسجون كالحاير وذهبان وشعار والطرفية دفعت بالشباب إلى فكر الإرهاب ودفعت الشباب إليه، حين وجدوا أنفسهم ضحايا لإرهاب رسمي وقسوة وتعذيب وحرمان مع منع لأي شكل من أشكال الاحتجاج، حيث أطلقت السلطات العنان لعساكرها وأمرتهم بتعذيب الشباب وقهرهم ومنعهم من أي حق إنساني. فمن فتح فمه شاكيًا من مظلمة لقي مضاعفة لآجال السجن وعُرّض للعذاب وشُوّهت سمعته، وليس أمامه إلا الصمت أو الموت أو الهجرة، فساروا في الطرق التي أجبرتهم السلطات عليها. وإذا تغاضى أكثر الغرب عنها زمنًا لأنه يريد امتصاص ثروتها، فإن ذلك أمر مؤقت قبل أن يسلب كل شيء ويدفع الثمن الجميع الشعب والسلطات.
إن العالم لو سكت عن جرائم الإرهاب الحكومي في بلادنا فلن يكون ذلك لزمن طويل. وقد بدأت أصوات هنا وهناك تتحدث عن الواقع المرعب عندنا، وبعدها لن تكفي ثروات البلد لدفع تعويضات في المحاكم، ولا لمجاملة دول مارست سلطات بلادنا إرهابا على أراضيها، وخطفت المعارضين منها، وسلكت سلوكًا وحشيًّا متخلفًا ضد دول العالم منتهكة كل الأعراف الدولية. إن أحد أهم أسس الإرهاب ومصادره لهي سلطات لا معقب لتصرفاتها ولا لإرهابها، ولا توجد مؤسسة ولا حزب يمكنه أن يحد من إرهابها أو فسادها لا في الداخل ولا في الخارج؛ فهي ترهب مواطنيها بكل وسيلة، ثم تصرف ثروة السكان على شركات دعاية خاصة لها ولأشخاصها بحجة محاربة الإرهاب. بل لم تقف عند هذا الحد، فقد كانت تخرج المساجين المدانين بالعنف وتجهزهم وتكرههم أن يخرجوا إلى جبهات العنف، ومن لم يخرج إلى القتال فإنها تعيده إلى السجن؛ وذلك ليصنعوا موجات عنف تبرر للسلطات اضطهاد الشعب وإدانته بتهم العنف، لترهب الشعب ولتجد مبررًا أمام العالم لقهره. ليس هذا فحسب، بل لقد كانت السجون من موارد الفساد المالي العظيم؛ إذ يتسلم الحاكم ومقربوه مبالغ طائلة باسم الإعاشة والخدمة ونهب مرتبات السجناء التافهة مما زاد من الأعداد وأطال مدة العقوبة والأحكام.
القضاء
ليس في بلدنا قضاء مستقل عن إرهاب السلطة، فضلًا عن وجود قضاء يحترمه الناس، فهو مجرد واجهات للظلم والعنف ضد الشعب، وعشرات القضايا ضد أحرار البلاد والمصلحين كلها تصدر أحكامها قبل عرضها في المحاكم. فالإصلاحي مجرم إلى أن يموت، يموت بالقتل البطيء والإهمال والقهر في السجون. وقد أصبح القضاء منذ عشرات السنين سوط قهر آخر سلّط على الرقاب، ولا يأمل أحد في نيل الحق، ثم أغرقت السلطة القضاء بالفساد والوساطة، حتى أصبح القضاة واجهات فساد وابتزاز كبير للمجتمع، ولو خالف القاضي وحكم بعدل مرة فإن الفساد لن يبقيه، ولو وجدوا فيه بقية نزاهة فإنه سيطرد، أو يلتحق بأفواج القضاة الفاسدين الذين أزكم فسادهم المجتمع، وباسم الشريعة، لتسقط الشريعة والعدالة ومن يمثلها، أما من عرف كيف يفسد ونفذ ما تملي عليه السلطة من قرار فإنه محروس بقوتها.
نحن في الحزب نسعى لبناء قضاء نزيه يعاقب المفسدين ولا ينصبهم زعماء وقضاة. نريد قضاء يطمئن المتحاكمون إليه أن يكون الإنصاف غايته، قضاء يراقبه المجتمع ليحمي قضاءه من تغول الفساد السياسي والشخصي.
وضع المرأة
عاشت المرأة في مجتمعنا وضعًا مزريًا قاهرًا وحرمانًا طويلًا من حقوقها، سواء بسبب التقاليد والأعراف أو بسبب منافقة السلطات لبعض المتشددين؛ مما جعل المرأة تخضع لحالة غير مسبوقة في مجتمعنا من الضعف والإرهاق بقوانين وممارسات جائرة، بل أحيانًا الحرمان حتى من الإرث والعمل والمشاركة السياسية والاجتماعية. وهذه حالة لم تشهدها الجزيرة العربية في أسوأ العصور لا قبل الإسلام ولا بعده. فقد كانت تشارك في الزراعة والتجارة فحرمتها السلطات حتى من الذهاب بنفسها لاستخراج أي أوراق أو مراجعة أي إدارة. وكان هذا الظلم الفادح ينسب إلى الدين مرة وإلى النظام أخرى، وكلا الأمرين تعسف من السلطة؛ لأنها لما أرادت تملق الغرب ألغت كثيرًا من هذا بجرة قلم أو بوعد شفهي. وإلا فإن نساء المسلمين بل نساء العالم لم يعانين اضطهادًا كما فعلته السلطات تجاه المرأة في بلادنا. والأسوأ من ذلك أن المناضلات لنيل الحقوق عدتهن السلطات مجرمات لأنهن طالبن بحقوق النساء، وهن الآن في أعماق ظلمات السجون ويعانين القهر والتعذيب والتحرش والحرمان من أدنى الحقوق، ونال حتى أقاربهن الأذى لأنهن طالبن بحقوق لا يختلف البشر على الكرة الأرضية في صوابها، وكل هذا حتى لا يقال إن المرأة عندنا نالت حقًّا بسبب نضال، بل تعلن السلطات أن كل حق ينال فهو منة أو هبة من المتسلط، وليس لأحد حق أن يعمل لتحقيقه. ومثل ما جرى للنساء المطالبات بحقوقهن يجري على كل رجل طالب بأي حق مشروع له، فليس له أن يعمل لتحقيق مطالبه، بل يجب أن يسكت ويستسلم وينتظر "مكرمة" أو "هبة حقوقية" لترسيخ مبدأ "ليس لكم من الأمر ولا من الحق شيء إلا ما نسميه مكرمة لكم"، حتى إن أحد مستشاري الحاكم صرح بأن قرارات تمكين المرأة من الوظائف العامة لا بد أن تسبقها الضرائب وإنقاص دخل الأسرة، حتى تخرج المرأة مضطرة إلى العمل بجانب الرجل، فتخرج هذه القوانين لا لمصلحة الأسرة، بل على أساس إفقار الرجل والمرأة والإضرار بالأسرة وإذلال الجميع؛ لهذا كان من أوجب الواجبات أن ننهي هذا الحق التام للمجتمع رجالًا ونساء بمبادرة الحزب لصناعة وسيلة ديمقراطية لحل مشكلات المجتمع برأي عام.
موقفنا من التنظيمات والجماعات
نعلم أن المجتمعات البشرية فيها آراء متنوعة ومواقف مختلفة من شتى القضايا، وأن المجتمعات الحية تملؤها الأفكار والجماعات. تلك ظاهرة حيوية وعلامة صحة لأي مجتمع، فهي تساهم في التنوير، والبحث عن خير الوسائل لإسعاد المجتمع واحترام تنوعهم وتنوع آرائهم. ونحن نرى أن في تنوع المواقف والآراء ثروة المجتمع الفكرية والثقافية، على أن يكون لهذا المجتمع منابره الحرة في إبداء آرائه وشرح مواقفه فيما يخدم خير المجموع ومصالحه، تحت منابر يحترمها الجميع ويصوت فيها نواب الشعب على أخذ القرار في قضاياه الكبرى، بعد نزع التوتر والعنصرية والمذهبية المسيئة المذلة للناس، والتي تغولت بحجة الدفاع عن عقائد وآراء هي في حقيقة الموقف السياسي للسلطات، ليكون التستر وراء مذهبية محددة إحدى خدم الطغيان وإن تظاهرت بخدمة مذهب أو مدرسة عقائدية أو فقهية.
ولذا فإننا نرى أن وجود أحزاب وجماعات معتدلة مؤمنة بالديمقراطية فكرة وتطبيقًا سيخلق مكونات فكرية مجتمعية طبيعية، لها الحق في ممارسة أي نشاط فكري أو سياسي لا يضر بوحدة البلاد ولا يهوّن من مكانتها، ويحافظ على استقلالها التام.
موقفنا من المذاهب الإسلامية في مجتمعنا
في مجتمعنا سنة وشيعة وإسماعيلية وصوفية وسلفية وغير ذلك، وهذه مكونات فكرية عاشت في وئام وجوار وتفاهم قرونًا طويلة، ولم يحرك المظالم إلا رغبات السلطة في ضرب المجتمع بعضه ببعض، لتقول السلطات إنها هي التي ترعى أمن الأقليات خوفًا من الأكثرية، وتزعم أنها تحمي الأكثرية من مخاوفهم من الأقلية. وقد عاشت الجزيرة قرونًا بلا فتن كالتي تجتاح وتخيف مجتمعنا اليوم بإثارة رسمية للمخاوف وبسوء التدبير الداخلي، وبسبب نشر السلطات سياسة الكراهية والعداء في الداخل والخارج. فنحن لا نثق بسلطات تنتقم من مذهب أو طائفة أو جماعة أو حزب لتتفرد بالقرار أو تنشر الرعب في المجتمع، بل همنا الأول والأخير تأكيد المواطنة المتساوية لجميع أفراد المجتمع بقطع النظر عن قناعاتهم الفكرية والمذهبية، وتأسيس القوانين الحامية لكل فئات المجتمع ومكوناته.
العلاقات الخارجية
قامت العلاقات الخارجية في بلادنا على أساس واحد منذ نشأتها إلى اليوم على أساس هام، وهو التبعية للخارج والحفاظ على كرسي الحكم. وقد تم استخدام البلاد في الحرب الباردة دينًا واقتصادًا وسياسيًا كخدم في معسكر، وكانت تستعمل لضرب وحدة الشعوب العربية ومحاربة استقلالها. وعرفت عداوات غير مبررة وصداقات غير مفهومة منذ أسست هذه المملكة وصاغت سياستها الخارجية التي لم يكن لها استقلالية، بل عملت كثيرًا لخدمة أجندات خارجية، وأدخلت بلادنا في خدمة الآخرين ضد مصالحها. وهذا التقزيم الشنيع والهضم العظيم لبلادنا وتسخيرها لخدمة أجندات خارجية تم من أجل الحفاظ على الكرسي، وتم خروج البلاد من جلدها وخلعها من مصالحها ومن المكانة الدولية اللائقة بها إلى مجرد منفذ لمغامرات المغامرين ولعبث العابثين.
إن ما نريده في الحزب هو علاقات سياسية وإنسانية تحترم مصالح شعبنا وتقيم علاقات متوازنة مع شعوب العالم وحكوماته، علاقات مستقرة تحقق الأمن في العالم واحترام السيادة، وتبقي على احترام بلادنا وتخفيف الضغط على شعبنا مع حماية حقوقه، فلسنا إمبراطورية ولا نريد أن تكون بلادنا مجرد تابع لا قيمة له ولا دور، ولا ميدانًا لتصفية خصومات خارجية.
إننا سنعمل على تطوير علاقات بلادنا بمختلف دول العالم وكياناته ومؤسساته، وإعطاء السيادة للقانون، وإنهاء المغامرات العسكرية، وإطفاء الحرائق التي أشعلتها السياسات المتهورة؛ مما حول المنطقة إلى حرائق من حولنا، فلم نكسب إلا كراهية العالم لبلادنا وزيادة الأحقاد علينا، إلى جانب خسارة كل شيء. كما سنعمل على صناعة بيئة من الصداقة وعدم التعدي المتبادل. ولسنا خياليين في هذا، ولكن العالم أجمع يعرف النكبات السياسية والفشل الدبلوماسي الذي ميز بلادنا، خاصة في العقود الأخيرة.
موقفنا من الأشخاص
لم تُحركنا لهذه المبادرة أي دوافع شخصية أو مكاسب ذاتية أو انتقام من أشخاص، فليست هذه الأعمال مما يعود على الأفراد إلا بالمتاعب والتضحيات. وفي المقابل ليس موقفنا لننتقم من أفراد، فعملنا ونهجنا وبرنامجنا فوق المواقف الفردية. ولا نريد أن يمس أي فرد في مجتمعنا أي سوء أيًّا كان موقعه، فأمانة القول وضرورة الخلاص من العبث القائم تلزمنا بالمبادرة للإصلاح والتغيير إلى الأفضل للجميع. ونحن نرى أن فشل السلطات قد أضر بالجميع دون استثناء، وقد أعلن واقعها عن إفلاس سياسي واقتصادي شامل. وإن كنا لا نتوجه للانتقام من أي شخص، فإننا نؤكد أنه لا أحد فوق القانون، ولا يوجد شخص ينصب نفسه بحيث لا يُسأل عما يفعل، ويرهب الناس ليخنعوا ويعاقبهم بما يتخيل أنه يدور في أذهانهم.
الجميع يفهم أن المؤسسين المعلنين استطاعوا تقديم هذه المبادرة لأنهم تمكنوا من الهروب من الجحيم السياسي في السجن الكبير الذي تديره هذه العائلة على مدى نحو قرن من الزمان. ومنذ أسست المملكة وهي تستغل كل المكونات في الدين والدنيا لتخنيع الشعب للاستبداد.
إن الحزب يريد منكم مناصرة الأصوات التي تجمع سكان الوطن وتحرص على مصالحه، وتساوي بين أفراده وتحرره من الصوت الواحد والفرد الواحد، ومن الإرهاب السلطوي الذي يدمر واقعنا وينذر بمستقبل هو الأخطر على الجزيرة العربية. فقد شرعت هذه السلطات نهب السكان بكل طريقة، وفي ظرف عامين فقط زادت الضرائب إلى عشرين في المائة على كل شيء، وكانت من قبل تكتفي بضرائب عامة غير معلنة على كل الخدمات، من البضائع المستوردة ومختلف البطاقات والإقامات والكهرباء والماء وغيرها. واليوم فإن هذا الذي يضرب على المجتمع هذه الضرائب وينهب أموال الناس لا يسمح لهم بالسؤال أين تصرف أموالنا من ضرائبنا، ولا يسمح لنا بالرقابة على أموالنا، وكأن الشعب أصبح أيضًا من ممتلكاته، وماله غنيمة باردة لكل فاسد وأفاق. هذا الغبن جاء من بعد أن تعود مجتمعنا على نهب موارده من النفط والذهب والمعادن التي تصدر للعالم دون أي معلومات للشعب، وكلها تصب في جيب الحاكم وأولاده وأقاربه ومن يصنع أمنه من الخارج، أو يرشيه بشراء السلاح والعقود المختلفة.
الاقتصاد
كان الناس فيما مضى صامتين على النهب؛ لأن النهاب الوهاب كان يمنح الشعب بعضًا من حقوقه، ولو كان فتاتًا، واليوم لا شي. . أما اليوم فإن سلطاتنا تأكل ثروتنا وتأكلنا، وتمنعنا حتى من الشكوى. فالصراخ من النهب جريمة، وإذا تأخر فقير في إرسال ماله إلى المتسلط فإنها جريمة تنتهي بالسجن والمصادرة. ولا يصادر الأموال فقط، بل يحرم كل كلمة حرة تقترح حلًّا اقتصاديًّا، أو تضع رؤية لمواجهة الأزمات التي صنعها سياسي جاهل. وبدلًا من الاستماع إلى الخبراء والنابهين الحريصين على اقتصاد بلدهم وتكريمهم، فإنه يعاقبهم بأي وسيلة ليبقى ناهبًا متحكمًا في ثروة بلادنا ويدمر مستقبل الأجيال فيها. وكان مصير الذين طالبوا بإصلاحات اقتصادية كمصير الذين طالبوا بأي إصلاحات أخرى. وقد وعد المتسلط بتنويع مصادر الدخل وفرح الناس، فإذا هو يقصد تنويع مصادر دخله الشخصي وطرق نهبه الثروة العامة والخاصة، وتصاعد الضرائب. وأفلس بالصندوق السيادي، ثم ضاعف الضرائب بطريقة لم تحدث بهذه القسوة في مجتمعات العالم، ونهب التجار، ودمر الاستثمارات وكبار التجار وصغارهم ومعايش أسرهم، وأغلق المحلات بسبب الرسوم الثابتة والضرائب المتعددة، وظلم المقيمين ماليًّا وفرض عليهم قيودا ومراسيم جائرة، وجعل خروجهم أو بقاءهم جحيمًا، ثم يعد بأن تأتي استثمارات من الخارج. وحتى أرامكو عرضها للبيع ثم للمشاركة، ولم يقبل أحد لسوء إدارة البلد وعدم أمن التجارة وفشل السياسة، فأي تاجر يقبل أن يكون مصيره السجن أو أسوأ ومصير ماله نهبًا ومصادرة، حيث لا يوجد أي قانون يحمي؟
نحن في الحزب لا نعد أحدًا بجنة الخلد، ولكننا نعد أن نوقف الفساد العظيم. فقد كان يصب في بلدنا نهر من الذهب يوميًّا يصب في مكتب الملك منذ قرابة قرن من الزمان، ولا حق للشعب حتى في معرفة كم دخل وكم خرج، كما اجترأ أحد أعضاء مجلس الحكومة (الشورى) حين قال: "إن عائدات النفط والمالية تصب في الديوان، والملك يعطي الحكومة الميزانية هبة منه". هذا هو الواقع دون أن يكون للشعب أي حق في ثروته، واليوم تمتص السلطات ما بأيدي الناس على قلته.
سيلتزم الحزب بأن يصل مال الشعب إلى مؤسسات الدولة وسكانها وفق قانون عادل للتوزيع، وليس كما يجري اليوم من استيلاء على كل شيء، ثم نثر الفتات وبعض الضرائب للأتباع والمنافقين، ومبالغ يسيرة لخدمات تزيد تخلفًا وتراجعًا كل يوم.
الإعلام
ليس في بلادنا أي مؤسسة إعلامية نستطيع أن نثق بما تنشره، فهي أبواق للتسلط تعودت على هجاء كل مصلح وكبت كل صوت للحق، إذ أدارها في الماضي أفّاقون مرتزقة خدموا ذواتهم وأغراضهم الشخصية والحزبية، أو مسايرة لنزعات الهيمنة الخارجية. وقد حدث ذات يوم أن كان السفير يخاطب محرر صحيفة سعودية في لندن قائلًا: "يا فلان، أنتم أمريكان أكثر من الأمريكيين"؛ لأن الصحفي كان بوقًا لحكومة المحافظين الجدد ولمالك الصحيفة.
إننا اليوم نواجه ما هو أبعد وأكثر غرابة وتبعية؛ فالإعلام أصبح بوقًا لكل ماهو ضد مصالح بلادنا ومصالح شعبها. وقد كتب مسؤول كبير سابق عن هذه الحقيقة المرة فأشار إلى أن حكومةً خليجية تعلمت من حكومة بلادنا كيف سخرت إعلاميين عرب، دفعت لهم المال ليكونوا صوتها، فقلدتها تلك الحكومة الخليجية بشراء الإعلاميين في بلادنا وسخرتهم لها. ونتيجة لهذا الشراء أصبح إعلام بلادنا بوقا لآخرين ضدنا وضد مصالحنا، بعد أن دفعت تلك الجهات الملايين حتى للذين لا يكادون يستطيعون فك الخط واستطاعوا بذلك استتباع بلادنا سياسة وفكرًا ومصيرًا.
لا يمكن أن يوجد وعي وشفافية ومسؤولية ومشاركة وتنمية في ظل غياب المعلومات، والتكتم على الفساد، وإنكار الهزائم، وامتداح القهر، وجعل الشعب مجرد أبواق وطبول لما يقال لها وأيد تصفق لما يكذب عليها. فالإعلام وسيلة رقابية على السلطات، وإن لم يكن حرًّا فسيكون عدوًّا للمجتمع وضررًا له وتسفيهًا لعقوله وإماتة لضميره. أما برنامجنا في الإعلام فهو تحريره من قيود السلطة، وإعطاؤه دوره المنوط به في الرقابة المجتمعية وخدمة المصالح العامة.
مواجهة الإرهاب الرسمي
يعلم الجميع أن إرهاب الأقوياء في المجتمع له هدف واحد هو مص دماء الناس ونهبهم وإذلالهم. وكلما نهب المجتمع وأذله احتاج إلى زيادة إرهابه ليزيد من ثروته. ولن يملأ بطنه إلا تراب المقبرة، ولن يقف هذا الإرهاب إلا بزوال من يتمتع بمنصب المعصوم من المحاسبة ومن النقد؛ لأن هناك ارتباطًا أساسيًّا بين نهب المال العام وترويع المجتمع. فالمجتمع الخائف يستسلم ويسلم كل ممتلكاته للطاغية دفاعًا عن حياته، التي تتحول يومًا بعد يوم إلى جحيم مقيم، فلا يدفع مال المقهور عن روحه، ولا يشبع المتسلط ولا شهواته، ويزيد من جوره ونهبه كلما لاحظ أن الشعب استسلم وصمت وسلم ثروته له. وفي النهاية لا مالًا أبقى ولا كرامة ولا حرية ولا سمعة، حيث يصنع اليوم أكبر مجتمع سجين خائف؛ مما يمهد لموجة إرهاب يتمناها المتسلط لينتقم من الجميع ومن أصوات المنذرين، حيث إنه يرى في حربه على المجتمع وسيلة إخضاع ضرورية. فلسنا ننتظر سوى موجات إعدامات للأحرار بأي حجة، وما نراه أن المتسلط لن يشبعه إلا دماء في الشوارع وأحكام من قضاة خانعين لأوامره. ونحن نحذر من هذا لأن فشل الاغتيالات سوف ينوب عنه اغتيالات إجرامية باسم القضاء.
لهذا فإن من واجب الجميع التوجه نحو إنقاذ البلاد من الإرهاب الرسمي المتصاعد.
نحتاج أن نواجه التمزيق الحكومي للمجتمع
نحتاج أن نواجه التمزيق باسم المناطق، وباسم المذاهب، وباسم التاريخ، وباسم الولاء للخارج، وباسم الدين، وباسم الانفتاح. وقد أغلقوا علينا ودمروا أرواحنا باسم التدين وهم رواد الفسق، وباسم الشريعة وهم يسخرونها لأهوائهم، وباسم المشايخ وكثيرون منهم هم خدمهم الأذلاء في قصورهم وإدارتهم، وباسم الغرب وهم يشبعونه رشى وعبادة لأهوائه. إن التوتر المذهبي والمناطقي تصنعه السلطات قصدًا لنشر العداوات والرعب الدائم في المجتمع، ليتمكنوا من الزعم أنهم حماة الجميع.
نحتاج أن نواجه التهور الحربي والهزيمة
نحتاج أن نواجه التهور السياسي والحربي والمجتمعي. فمن الذي أقر الحرب الفاشلة في اليمن وفي ليبيا وفي سقطرة، والانجرار خلف شهوات حكام موتورين مدفوعين؟ إن الحرب في اليمن بالإضافة للظلم الذي طال إخواننا في اليمن، فقد أذلت بلادنا، وأفقرتها وكشفت مواقف ومآسي كثيرة، وحكام بلادنا يتسترون على عدد القتلى والجرحى، ولا يذكرون المدن التي فرغت من سكانها والخدمات والمطارات الموقفة بسبب الحرب والضربات المستمرة، ولا ينشرون البؤس الذي يعانيه الجنود من قلة الطعام والسلاح وسوء التخطيط، ولا يتحدث أحد عن سرقات قادة الحكومة والجيش والمخابرات، ويسجلون أرقامًا كاذبة، ويوقع مرتشون يمنيون على مستندات زائفة، وفي النهاية نهب وهزيمة.
هذه الحرب الخاسرة يجب أن تقف؛ فهي هزيمة وحرب بلا قيادة ولا سياسة ولا حنكة. إنها انتحار طويل المدى. وخمس سنوات من الهزائم كافية لمتوسط الذكاء أن يتخلص منها، والشركاء المتظاهرون بالشراكة في الحرب هم في الحقيقة أعداء متطرفون في عدائهم يتظاهرون بالود والمناصرة.
نحتاج أن نواجه السفه المالي
أصبحت بلادنا مركزًا للحرب المواجهة لاختيارات الشعوب، ومركزًا لموجة الثورة المضادة التي تعادي الديمقراطية وتصادر الحريات، وتسفك دماء الشعوب التائقة إلى الكرامة والحرية. ومنحت السلطات المليارات للثورات المضادة؛ لأن الانقلاب على الديمقراطية أنهى اختيار الشعب، وقمع بالقتل والاغتيالات والموت في السجون دعاة الديمقراطية من شتى التوجهات، وأنشأت الثورة المضادة ولاءً تامًّا وعبودية للاستبداد، وتنفق سلطاتنا كل ذلك بينما شبابنا بلا مال ولا عمل ولا مستقبل، ينتظرون أن تسوء سمعة بلادهم أكثر وتفتقر-لاسمح الله- ويموتون في بحار الهجرة كبقية العرب الذين يضطرهم حكام فاسدون إلى الهرب من أهلهم وأوطانهم.
يلزمن أن نواجه السفه المالي والعبث بثروات البلاد في قصور ولوحات وتملق للخارج، ومشاريع وهمية خيالية تبنى للدعاية للسلطات ومغازلة للخارج، بهدم بيوت الفقراء والضعفاء الذين قضوا دهرًا من أعمارهم لبناء سكن يسير يؤويهم. هذه المشاريع الخيالية الفاشلة تدار من قبل أجانب كثير منهم جهلة بكل شيء، ثم هي مشاريع لا تحمل لبلادنا إلا هدم المساكن وترويع أهلها وطردهم منها لمطاردة خيال غريب قد يأتي سائحًا على بقايا دماء شعبنا وحطام منازله.
نحتاج أن ننهي صناعة الكراهية
لا يهمنا أن يحكم في الدول الأخرى إسلامي أو علماني، فتلك اختيارات مواطني تلك الدول، إنما يهمنا أن تنتهي سياسة صناعة الأعداء في كل الجوار أو المحيط العربي والإسلامي. فماذا نستفيد حين ينتصر جيش بدكتاتورية ضد الشعب، أو حين ينتصر مجرم مستبد على شعبه بطلب من سلطات بلادنا بأن يتدخل آخرون لقتل الشعب، أو أن تقوم دول بهدم أخرى، أو أن نناصر طرفًا في دولة ضد آخر من أبناء شعبه؟ وماذا استفدنا من مناصرة الدكتاتورية في كل مكان؟ وماذا استفدنا من المساهمة في هدم دول إلا جعل بلادنا على خط النار مع أخرى؟ ماذا تستفيد بلدنا حين يلتهب الشمال والجنوب والشرق والغرب كله ضدنا بسبب رأي فردي ربما كان مدفوعًا بوعي أو بدونه من عدو، أو من غبي متفرد بالقرار؟ إن سلطات فاشلة عابثة دمرت العالم من حولنا وأحرقته، وزرعت لنا الكراهية والحقد. ولدى الجميع أدلة على فشل هذه السياسة العمياء التي تتوهم أن في تدمير جيرانها الخير لها. هذا بالإضافة إلى زرع كل معززات الكراهية فيما بيننا وبين شعوب العالم، وشعوب المنطقة، وبين مكونات مجتمعنا نفسه، فعززت السلطات الطائفية والمناطقية والعنصرية والإقصاء وكل سبل التفرقة والتناحر.
إننا نريد أن نعيش في وسط لا نسبّب فيه المشكلات، ولا نصنع فيه عداوة أو قتلًا أو غدرًا أو عمالة. نحن دعاة سلام وصيانة وحمى لبلادنا ومجتمعنا وعلاقاتنا. لا نقبل لبلادنا أن تكون ضعيفة أو خائفة، كما لا نقبل أن تكون مصنع الشرور والكراهية والموت لآخرين، أو أن يكون نظام بلدنا المستبد جالبًا الغزاة غدًا، وتلك سنة ثابتة؛ فكل متفرد بالحكم لا بد أن ينهك السكان ويحطم إرادتهم، وينزع منهم كرامتهم وحميتهم بظلمه وفساده، ثم يسلمهم وبلادهم غنيمة باردة لمحتل ينتظر انحلال الدولة وتلاشيها.
القبائل والمناطق
تأكدت السلطات أنها فشلت في إقامة دولة ومجتمع واحد فلجأ الشعب إلى تكويناته القبلية والمناطقية، إذ لعبت السلطات على تمزيق المجتمع. ونحن نحتاج إلى أن نجنّب بلادنا الآثار الإجرامية لهذا الخطاب الممزق للحمة المجتمع، فقد تعودت السلطات أن تشيع ثقافة التمزيق بين المواطنين، وقامت سياستها على تخويف المناطق بعضها من بعض، وتخويف القبائل بعضها من بعض، وتخويف الحضر من البدو، وترويع الناس بأنهم إما أن يصمتوا ويخنعوا ويذلوا، وإلا فإن المواجهات بين المناطق والقبائل هي المصير الذي ينتظرهم. هذه الكذبة الكبيرة التي تنظر إلى المجتمع نظرة دونية، وتنشر عنه أنه مجتمع وحوش تنتظر الانفلات، فتبرر وحشيتها وإرهابها بإرهاب آخر.
يجب أن تعلم هذه السلطات التي اعتادت على سياسة التمزيق باسم الدين والدنيا وباسم المناطق أن هذا الشعب لم يعد قابلًا بهذا الفساد العظيم القائم على التزوير والخداع وترهيب المجتمع بعضه من بعض. فنحن مجتمع واحد مزقته مصالح المفسدين النافذين في السلطة، وجعلته أفرادًا ممزقين خوفًا من أن يجتمعوا على مطالب ضرورية. هؤلاء المفسدون لا يهمهم الآن سوى بقاء الخوف المتبادل بين مكونات المجتمع. وقد أقرت رسميًّا سياسة الإفقار والحروب والسجون والضرائب والتجويع، وهي تؤمن أن أخذ المجتمع بالخوف هو السياسة الوحيدة التي تنفع ضده، فنهبت الثروة وأرسلتها إلى الخارج تكنزها هناك، استعدادًا ليوم ينتبه فيه الشعب إلى مسؤوليته تجاه نفسه ويستعيد حقوقه المغتصبة وثرواته المنهوبة.
ضرورة التنبيه قبل الانهيار
لو لم يكن للحزب إلا المبادرة في التنبيه على المخاطر التي تجرها هذه السلطات ورسم طريق الخلاص وبناء دولة المستقبل لكان قد قام بعمل عظيم تجاه الشعب، ولكنا لا نقوم فقط بمجرد التنبيه، بل نبني بناء بديلًا، ونجمع الناس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن انتشر الحريق في كل زوايا المجتمع، فلا مال ولا عمل ولا أمن ولا نصر، بل ينتظر الجميع تهريب ثرواتهم بأيديهم إلى الخارج أو مصادرتها لمصلحة فرد متسلط يهربها أيضًا ويبددها على هواه في الخارج، ليذل المجتمع بالفقر والخوف والنهب. إنه يقيم حربًا حقيقية على ثرواتنا وأمننا ومستقبلنا لنذل ونستسلم ونصمت.
نعم ندرك أننا نغامر بأرواحنا وأسرنا حين نواجه هذا الحريق وحين نشير إلى هذه المخاطر المكشوفة، لكن بلادنا وأمانة الكلمة وأمانة الضمير تقول لنا إن الصمت جريمة، ومناصرة الفساد والاصطفاف معه خيانة عظمى لبلادنا ومستقبلها. كما ندرك أننا في البداية قلة ولكننا صوت الأغلبية. وإن قلتم هذه صيحة في بلدان عديدة خارج البلاد فإن هذه الرؤية أو الصيحة والتحذير والتنبيه ستكون غدًا هي الموقف والخطاب العام للشعب المقهور. نحن فقط الطليعة التي صاغت الرؤية وأشعلت سراج التنبيه وعرّفت بالحقائق المرعبة لمن تغافل عنها، أو خاف من معرفة الحقيقة، ونراعي مشاعر من يحب أن يبقى في الظلمات، وذلك حاله ومصيره. فلن تتحرك بلادنا لرؤية الطريق قبل التنبيه والتوجيه لحل المشكلة العظمى، قبل أن تقع المصائب وتضيع فرصة التغيير بطريقة سلمية، إذ إن تدمير البلاد رغبة المفسد، بل برنامجه، فإما أن يكون هو وحده كل شيء وإلا فلتحترق البلاد بأهلها.
حزب التجمع الوطني، 5 ربيع الأول 1442هـ، 22/10/2020م