تابعنا خلال الأيام الماضية ما تم من جلسات قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الرياض، والمتزامنة مع تنامى الضغط الدولي على السلطات السعودية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب في اليمن، والتأزيم السياسي والتدخلات الخارجية من قبل السلطات، وإننا نرفض وبشدة تجاهل معاناة شعبنا، ونستنكر حضور البعض دون أن أي اعتبار أو حديث عما تقوم به السلطات السعودية من انتهاكات، ونرى إن الحضور دون أي اعتبار لحقوق الإنسان يعد اعترافا وتمكينا لنظام يستهتر بالحريات وبالحقوق السياسية والاقتصادية ويستأثر بالسلطة والثروة، ويمارس الفساد رغم ادعاء مكافحته، إن الدول والرؤساء وكل الجهات التي جاملت السلطات السعودية، ولم تجرؤ على استنكار انتهاكاتها بوضوح، تتخلى بذلك عن المبادئ والقيم الإنسانية، وتطبّع التعامل مع النظام السعودي ببراجماتية غير مقيدة باحترام سيادة القانون والتي تعد ركيزة مهمة للتجارة العالمية والازدهار الاقتصادي. كما يعدّ الحضور -ولو كان عن بعد- في العاصمة الرياض دون توجيه أي نقد للسلطات السعودية استهتار بمبادئ التحضّر، وتمكين للنظام السعودي في التمادي في انتهاكاته الانسانية والاقتصادية بعد ضمان الصمت العالمي على جرائمه، ومنها الاغتيالات السياسية خارج الحدود وداخلها.
ولعل من أبرز التناقضات التي تقدمها السلطات السعودية بغطاء دولي هو استضافتها لحواراتٍ تفاعلية حول دور المجتمع المدني وتمكين المرأة في حين أن عدد من الناشطات لازلن في السجون، وتضرب إحداهن عن الطعام منذ أكثر من شهر دون أي استجابة من قبل السلطات أو تحرك لائق من داعمي النظام، وقد تعرضن في السجون لأبشع أنواع التعذيب، كالصعق بالكهرباء، والضرب المبرح، والتعليق في الأسقف، والتحرش الجنسي الممنهج، وطالت عدد آخر من المعتقلين انتهاكات مماثلة، وتعذيب وحشي، وأحكام قاسية بسبب تعبيرهم عن آرائهم بسلمية.
وفي الوقت ذاته فإننا في حزب التجمع الوطني نشكر كل من اتخذ مواقف ايجابية لدعم حقوق الإنسان، ونثمن التوصيات التي نقلها أعضاء البرلمان الأوروبي إلى ممثلي الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى انسحاب عدد من رؤساء بلديات مدن مثل لندن وباريس ونيويورك ولوس أنجلوس من قمة العشرين لرؤساء بلديات المدن التي عقدت افتراضيًّا في 2 أكتوبر، الموافق للذكرى السنوية لقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وذلك استجابةً للحملات التي قامت بها المنظمات غير الحكومية.
ونثمن أيضًا ما تلى ذلك بأيام حيث صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة لخفض مستوى الحضور في قمة نوفمبر في السعودية على خلفية المخاوف حول حقوق الإنسان، ونادى البرلمان بفرض عقوبات، ووقع 65 عضوا للبرلمان الأوروبي على عريضة تدعو لذلك.
ومثل ذلك ما طالب به 45 عضوًا من أعضاء الكونغرس الأمريكي من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وإدارة ترمب بالانسحاب من قمة مجموعة العشرين، وماصدر في مذكرة في البرلمان البريطاني بمخاوف شديدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سياق قمة مجموعة العشرين، وكل ذلك أوصل رسالةً واضحة بأن السلطات السعودية لا يمكن أن تتصرف كأن شيئًا لم يكن.
ونثمن أيضًا تزايد الضغوط على مستوى الأمم المتحدة أيضًا، وصدور البيان مشترك الثالث حول وضع حقوق الإنسان في السعودية، والذي وقعته 33 دولة عضوة للأمم المتحدة تطالب بإصلاحات حقوقية ملموسة وبنيوية، وفشلت السعودية في محاولتها الحصول على ولاية أخرى في مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، وهو مؤشر على أن أطرافًا في المجتمع الدولي لم تعد تتسامح مع الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في السعودية.
وحيث اتضح للعالم مدى قدرة النظام على استعمال الثروة النفطية في سبيل قمع المجتمع ومصادرة حقوقه المدنية والسياسية، فإننا نتوجه لوسائل الإعلام العالمية و للمشاركين في القمة والشركات والمؤسسات والحكومات وجميع الأطراف برسالة واضحة وصريحة، وهي وجوب الضغط على النظام السعودي من أجل احترام ملف حقوق الإنسان وإطلاق سجناء الرأي كخطوة أولية نحو تعزيز دولة الحقوق والمؤسسات والحريات، واحترام خيارات الشعب، والتوقف عن انتهاك حقوقه، والتوقف عن ارتكاب الجرائم في تدخلاته الخارجية، ونرى أن تسليط الأضواء على ذلك يخلق ضغطًا على السلطات لتمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ويجبرها أن تبدأ إصلاحات بنيوية حقيقية، بدل ما تقدمه السلطات من دعاية للقمع، وتجميل له، بدعم وصمت وغطاء من أطراف دولية لا تعبئ بالحقوق والحريات.